تكملة للموضوع الذى كتبة الفنان والناقد الفني محمد المنيف

اختلاف التوجه والنوعية
بعد هذه المختارات الموجزة والمقتطفة كنماذج للمجموعات إلا أن آلية تأسيس الجماعات على مبدأ التقارب التقني لم يعد لها وجود، خصوصاً فيما يتعلق بالأسلوب المشترك بعد انتهاء موجة التبعية لمسميات المدارس الفنية والاكتفاء حالياً وفي قادم الأيام على مستوى الخبرات بين الأعضاء، وقبل هذا وذاك الاتفاق على الهدف من المعرض والفكرة المشتركة المطروحة فيه ومستوى الأعمال، مع السعي للاحتفاظ بما يتحقق من تطور يرفع من مكانتها، عكس ما نرى في بعض المجموعات من تردّ في مستوى الأعمال والمدرك الفكري والثقافي.
الجماعات التشكيلية مطلب حضاري
يبقى أن نعتبر تواجد الجماعات التشكيلية، خصوصاً في المرحلة القادمة في مسيرة الفن التشكيلي، مطلباً حضارياً وظاهرة صحية تشعرنا بكثافة العطاء، والبحث عن سبل المنافسة الشريفة كلما أحسن مؤسسو تلك الجماعات أسلوب إدارتها وكيفية الأخذ بها إلى مراحل قوية البناء؛ لتحقيق الأهداف المرجوة منها والتي يلتقي عليها كل الجماعات، ومنها البحث عن سبل الارتقاء بمستوى الفن من خلال تطوير مفهومه عند أعضاء الجماعة تقنية ومضامين وأشكالاً أو أنماط تعبير عبر توظيف مختلف الآليات التي تتيح للأعضاء التعرف على جديد الفن على المستوى العربي والعالمي، مع التمسك بروح الانتماء للواقع الذي يمثله الوطن بكل ما يتعلق بقيمه ومبادئه وما يتبعها من عادات وتقاليد؛ ليتم بهذا التوجه وتلك الآلية تنظيم المعارض محلياً أولاً، ثم السعي لتفعيلها للوصول إلى مساحة أكثر تشمل المحيط العربي.
الجماعات التشكيلية المحلية
بدأت الجماعات التشكيلية في مسيرة الفن التشكيلي المحلي بشكل متواضع ودون آلية تضمن تحديد مسارها، فالبدايات كانت تتمثل في قيام عدد من الفنانين بمعرض مشترك تنتهي علاقتهم التشكيلية بانتهاء المعرض، وغالباً ما تضم مثل هذه اللقاءات أعداداً تتراوح بين الاثنين أو الثلاثة أو تزيد بمسميات توثق العدد مثل المعرض الثنائي أو الرباعي أو معرض الستة، وحينما يزيد العدد على هذا الحجم يطلق عليه المعرض الجماعي، إلى أن بدأت بعض الأسماء في تأسيس مجموعة بعينها تحدد من خلالها الاسم والهدف، ويمكن تقسيمها إلى فئتين: الأولى أخذت من اسم المدينة التي تتواجد فيها أو ينتمي إليها الأعضاء رمزاً للمجموعة، مثل:
جماعة الدوادمي: وتضم نخبة من أبناء المحافظة، منهم على سبيل المثال الفنان محمد العبد الكريم وعلي الطخيس وعبد العزيز الرويضان وإبراهيم النغيثر وسعود العثمان، ويقوم على إدارة المجموعة الأستاذ خالد الحميضي، البعض منهم مقيم فيها، والبعض الآخر يعمل في مدن أخرى بالمملكة، وغالبيتهم في الرياض، وكانت انطلاقتهم من جماعة مرسم نادي الدرع بالدوادمي.
جماعة فناني المدينة المنورة: وتضم نخبة من الفنانين غالبيتهم متواجدون في المدينة، منهم الفنان فؤاد مغربل ونبيل نجدي ومحمد سيام وصالح خطاب.
جماعة فناني درب النجا: وتضم نخبة من فناني جازان من المتواجدين في منطقة جازان، ومنهم الفنان خالد الأمير وناصر الرفاعي ومحمد الأعجم.
مجموعة فناني الرياض: وتضم ثمانية فنانين غالبيتهم من الأسماء البارزة والرائدة في الساحة، منهم الفنانون علي الرزيزاء وسمير الدهام وفهد الجيلان وعبد العزيز الناجم، إضافة إلى أسماء واعدة.
أما الفئة الثانية فهي الفئة التي يتطلب تواجد فنانيها في منطقة أو مدينة واحدة إنشاء مجموعة تلم شملهم، وتقرب المسافة بين إبداعهم؛ للأخذ به بشكل منظم، مثال ذلك :
مجموعة ألوان في الرياض: وتضم عدداً كبيراً من الفنانين من مختلف الأعمار والتجارب، يزداد عددها بعد كل معرض يقام لأعضائها، وموقعها الرياض، وتضم عدداً من الفنانين منهم الفنان عبد الجبار اليحيا وسعد العبيد ود. خالد المرمش وعبد الرحمن العجلان وغيرهم.
مجموعة الصداقة في محافظة المجمعة: وهي جماعة حديثة بدأت مشوارها بمعارض داخل المحافظة، وتضم عدداً من معلمي التربية الفنية، وموقعها المجمعة، منهم إبراهيم الفارس ومحمد التمامي وحمدان الحمدان ومحمد السويح وخالد الفارس وعلي العشري وماجد العنزي وخالد المحارب وإبراهيم الرحيمي وإبراهيم الجبر وعبد العزيز الشبانات وعبد الرحمن الفنتوخ وعبد الهادي العبدالهادي.
مجموعة أصدقاء الريشة: تضم فنانين تقاربت بينهم العلاقات الشخصية والرغبة في تشكيل مجموعة تتيح لهم العمل المشترك، وتضم عدداً من الأعضاء من أجيال الساحة المختلفة، ومنهم على سبيل المثال: سليمان السريع وبدر الجويعد وحسن الشهري وخالد الصوينع وعلي الحبردي وبدر الضعيان، وغيرهم.
جماعة مسار: وتضم الفنانين سعيد قمحاوي وعبد الله الزهراني وسوزان الصايغ وأحمد الخزرمي.
كما برزت حالات أكثر اتساعاً لتشمل فنانين على مستوى خليجي وعربي، منها جماعة التشكيليين العرب، وتضم اثنين من التشكيليين السعوديين المعروفين على الساحة، وهم سعيد العلاوي والفنان فايز أبو هريس وعدد من الفنانين العرب من سوريا ومصر والسودان.
مجموعة شتا رحم إبداعي جديد
أما الأحدث تأسيساً في الفترة الحالية والأبرز فهي مجموعة (شتا) التي تقوم على جهود مجموعة من الشباب في منطقة عسير، وتعتبر أول جماعة ثقافية من نوعها في المملكة، تمازجت وانصهرت فيها فنون وإبداعات الشباب الأدبية في رحم واحد عبر (معارض ثقافية)، بمعنى أن نشاطهم لا يتوقف عند الفن التشكيلي فقط كجزء منفصل أو تصوير، بل يتعدى ذلك ليصبح نموذجاً للثقافة بشموليتها شعراً وتشكيلاً وتصويراً. وقد تكونت الجماعة في مرحلتها الأولى من خمسة مبدعين، هم: الشاعر محمد خضر الغامدي، والتشيكلي والمصور الفوتغرافي أحمد ماطر، والتشكيلي عبدالكريم قاسم، والتشكيلي والشاعر أشرف فياض، والتشكيلي عبدالناصر غارم العمري. وقد وضعوا الهم الثقافي في مقدمة ما يهدفون إليه للتعبير عن القضايا الإنسانية مسقطين الحواجز والفواصل بين الإبداعات.
لماذا المجموعات التشكيلية؟
نعود للتساؤلات التي استعرضناها في بداية الموضوع؛ لنبحث فيها ونتعرف من خلالها على حقيقة تلك المجموعات، ومنها الأسباب التي دفعت بالفنانين لتأسيس هذه الجماعات التي قد يكون منها شعور الفنانين بالقدرة على دعم الساحة وقوفاً مع الجهات الرسمية، أو البحث عن فضاء جديد من حرية التحرك، والبحث عن آلية أكثر مرونة من التنظيم الرسمي المعتاد الذي يقوم على برامج محددة وفي فترة معينة أوجدت نوعاً من الركود في فترات ما بين تلك المعارض، مع ما يمكن أن يجمع بين الأعضاء من علاقات متقاربة في التوجه الفني، والتمكن من التواجد بشكل مستقل، إضافة إلى ما تحدثه إقامة مثل تلك الجماعات من روح المنافسة دفعت بالبعض إلى تأسيس مثل هذا النشاط.
أما الجانب الآخر من التساؤلات فهو حول الأسس التي تقوم عليها تلك المجموعات مع أن غالبيتها كما أشرنا جاءت لمجرد أن طرح أحدهم الفكرة وتقبلها الحضور لتبدأ الأخطاء في الظهور على السطح مع أول الخطوات، منها عدم قناعة بعض الأعضاء بأسلوب التعامل من قِبَل المسؤول عنهم، أو شعور بعضهم بأن هناك تعاملاً أو تحركاً في الخفاء يتم فيه تغيير وتبديل فيما اتفق عليه، أو قيام رئيس المجموعة والذي تم ترشيحه بالمجاملة باتخاذ قرارات ضم أو إضافة أعضاء جدد دون الرجوع للبقية، إضافة إلى احتواء الأجواء الإعلامية من قِبَل أفراد من المجموعة على حساب البقية، إلى آخر المنظومة المعتادة في مثل هذا التشكيل غير المؤسس أو المدروس؛ مما يؤثر سلباً على التعامل مع كل خطوة جديدة تسعى المجموعة إلى إضافتها لمسيرة الفن التشكيلي.
تحديد التوجه والقواسم المشتركة
أما أهم أسباب نجاح أي مجموعة فيكمن في وجود معرفة كاملة وكافية لدى مؤسس المجموعة والأعضاء بالهدف أو التوجه الذي أقيمت من أجله المجموعة. وهذا بالطبع مجهول عند غالبية أعضاء الكثير من الجماعات أو المجموعات، فالكثير من الأعضاء لا يعرف من وجوده في المجموعة سوى أن يرسم ويقدم أعماله لأي معرض تعتزم المجموعة إقامته بناءً على توجيهات رئيسها، وفي أي وقت أو مكان، وقد لا يحق له المناقشة أو الاعتراض. أما الجانب الأكثر أهمية فهو في افتقاد القواسم المشتركة بين أعضاء بعض المجموعات؛ إذ إن هناك فوارق كبيرة بين عضو وآخر في مستوى الأعمال والثقافة والوعي بدوره في المجموعة أو الساحة. وإذا عدنا إلى تجارب المجموعات أو الجماعات التشكيلية العربية لوجدنا أن غالبيتها يلتقي أعضاؤها في إطار معين تتمازج فيه الكثير من عناصر النجاح، ويأتي اختيارهم لبعضهم البعض بعد مرحلة طويلة من العمل الجاد الذي أثبت فيه كل فنان تواجده ومستوى أعماله وما تحقق له من صدى على الساحة التشكيلية ليستحق الانضمام ويصبح صوتاً مسموعاً وفاعلاً يرفع من مكانة المجموعة، بينما نجد هذا الشكل أو الأسلوب في التنظيم مفقود في بعض المجموعات المحلية؛ لاعتمادها على مبدأ (الفزعة) أو التعاون أو التشجيع للفكرة، ليفاجأ الأعضاء بأنهم خليط لا يقبل التفاعل أو الانصهار في بعضه البعض.
المجموعات بين الغث والثمين
أما عن أسباب تكاثر تلك الجماعات في الفترة الأخيرة، ولماذا فشل البعض منها؟ وهل نتوقع فشل البعض الآخر؟ فالإجابة واضحة المعالم، خصوصاً إذا وضعنا بعضها تحت المجهر؛ لنجد أن غالبيتها تجمع الغث والثمين نتيجة ما وصلت إليه حال الساحة التشكيلية المحلية من زخم في الإعداد وتدنٍّ في المستويات، حتى ذاب الجيد في الرديء، وأصبح ما يُشاهد في المعارض الجماعية تشويه لوجه الفن، وصدمة للمتلقي الذي لا يزال يبحث عما يقنعه بالقدرات المنافسة للآخرين ممَّن سبقونا.
هذه الكثافة من الفنانين، وعدم وجود نظام مدروس وشروط محددة لإقامة مثل هذه المجموعات، دفع بكل مَن وجد عدداً كافياً من الأصدقاء أن يشكل مجموعة وينطلق بها للساحة، حتى وصل الأمر إلى توقف بعضها، وتوقع توقف البعض الآخر. ومع هذا، ومع عدم وجود أي آلية للحد من تلك الكثافة، فإن الزمن جدير بإبقاء الجيد وتهميش المرتجل والمنطلق من أرضية هشة، مع ما نؤمله في مجموعات محددة العدد لا تقبل انضمام عضو جديد إلا في حال اكتمال الشروط، وفي مقدمتها مستوى ما قدمه على الساحة، ومستوى ما يقدمه من جديد، مع أن هناك من المجموعات العربية والمحلية مَن التزم بعدد محدد لا يتجاوز العشرة؛ حرصاً من الأعضاء على عدم حدوث أي تخلخل في البناء الذي ظهرت به المجموعة أمام المتلقي.
مجموعات تفتقدها الساحة
بعد هذه الإطلالة على ما ظهر من تحرك جميل ومحبب في الساحة التشكيلية يمثله بعض من الجماعات أو المجموعات التشكيلية، نتوقف عند جانب آخر أرى أن الساحة المحلية في حاجة ماسة له، وكنت أتمنى أن نجد مجموعات أو جماعات تُعنى بمثل هذه الإبداعات، والتي تمثل أفرع الفن التشكيلي، منها جماعة النحاتين السعوديين، وهم في تزايد، والموجود منهم على الساحة حالياً كافٍ لتشكيل مثل هذه المجموعة، فهناك الفنانون علي الطخيس وعبد العزيز الرويضان وأحمد الدحيم ونبيل نجدي وعبد الرحمن العجلان وغيرهم، إضافة إلى فناني الرسم المائي، وله عشاقه، منهم الفنانون علي الصفار ومحمد المنيف والفنان الواعد والمتميز في هذ المجال من جيل الشباب عبد الناصر العمري وغيرهم من المتميزين في التصوير والرسم المائي، وفناني البيئة ممن لهم حضور متميز في الساحة وعند عامة الجمهور، منهم الفنان علي الرزيزاء وعبد المحسن أباحسين وعبد الرحمن الحواس وصالح النقيدان، وفناني الخزف، ومنهم الفنانون سعد المسعري، ويعتبر أحد الرواد في هذا المجال، والفنان أسعد بيت المال، مع أنه أصبح غائباً عن الساحة بعد مشاركات لافتة للنظر، والفنان الدكتور محمد الضويحي، والفنانون محمد المعيرفي وأحمد البار وسامي البار وعمار سعيد وغيرهم.